المنزوون والمدهشون

الحياة تملؤها التناقضات والمشاعر المتضاربة، في كثير من الأحيان، يتم تركيز اهتمامنا على السعادة واللحظات المرحة في حياتنا، ولكن البعض لا يُدرك أن الحزن والألم هما جزء لا يتجزأ من تجربتنا الإنسانية.

عندما نتحدث عن الذكريات، فإن الحزن يلعب دورًا مهمًا في تشكيلها. فعندما نعيش لحظات سعيدة، فإننا نشعر بالسعادة والارتياح، ولكنها لحظات مؤقتة تمر بنا، إذا ارتفعت مستوياتنا في الحياة وتحققت لنا أحلامنا، فإن الحزن لا يزال يحتوينا، يبقى الحزن جزءًا من طبيعتنا الإنسانية، وهو يذكرنا بأن الحياة ليست دائمًا سهلة ومثالية.

من الصعب جدًا أن نجد سعادة حقيقية دون معاناة، قد يكون الحزن والألم هما القوة الدافعة التي تدفعنا للتغير،
وإن الألم الذي نعانيه يمكن أن يعلمنا الكثير عن أنفسنا وعن العالم من حولنا، قد يكون الحزن مصدرًا للإلهام والإبداع، حيث يمكن للألم والمعاناة أن تولد قصصًا وأعمالًا فنية تعبّر عن تجاربنا الإنسانية بطرق مؤثرة.

لكن ليس كل ألم هو معاناة قد يكون هناك ألم ينشأ من خياراتنا الشخصية، وربما نشعر برضى داخلي عند تحمله. في المقابل، قد يكون هناك ألم قسري نتج عن ظروف خارجة عن إرادتنا، وهذا هو الألم الذي يسبب لنا المعاناة الحقيقية.

الحياة تعلمنا أنه يجب أن نتقبل وجود الحزن والألم، وأن نعيشهما بكل شفافية وصدق، وأن نمنح أنفسنا وقتًا للشفاء والتأمل، وأن نبحث عن الدعم العاطفي الذي يمكن أن يساعدنا في التعامل مع المشاعر الصعبة، قد يكون من المفيد أيضًا التحدث إلى أشخاص آخرين يشتركون في نفس التجربة، حيث يمكن أن يشعروا بما نشعر به ويقدموا لنا الدعم والتعاطف.

عندما نفهم أنحن نتألم ونعاني لأننا بشر، والحزن والألم هما جزء من الحياة، لا يمكننا أن نقيم السعادة إلا من خلال مقارنتها بالحزن، إن تجربة الحزن تجعلنا نقدر السعادة بشكل أكبر، وتعطينا القوة والمرونة اللازمة لمواجهة التحديات والصعاب في حياتنا.

أمًا بالنسبة إليّ، لا يُثير القلق واستمرار الشعور به أو الحزن ومروره مخاوفًا في داخلي بل، أجد السعادة في تلك اللحظة التي يتلاشى فيها القلق والحزن، ولا يبقى شيء يثيرهما.

أثق تمامًا أن من لا يتقن شعور الحزن في المكان المناسب له، لا يعرف معنى الحب الحقيقي، إنه لا يدرك قيمة الاهتمام بالتفاصيل والسعي للبساطة والعفوية لا يعرف كيفية إحداث فرح حقيقي، بل يقتصر فقط على تجسيد الدور البارد في كل شيء.

أنا مدهوش بوجود الأشخاص الذين يعيشون بعيدًا عن الانغماس في الذات، الذين يملؤون قلوبهم بالعطاء بدون مقابل، إنهم يتألمون بسرعة بسبب أبسط حالة ظلم، يكونون غرباء على متن قوارب الحزن، ويدركون قيمة التعاطف تمامًا ولا يبذلونه بلا مبرر.

الأشخاص اللطفاء الذين يظهرون من بعيد، الغرباء الذين يأتون بصدق الشعور وقوارب الحزن، هم الذين يمتلكون المواقف النبيلة والرسائل البيضاء التي تختفي في ظلمة القسوة، إنهم الذين لم ألتقِ بهم بعد، ولكنهم استحوذوا على مساحة في ذاكرتي، وسيكونون أجمل ما سيحدث لي.

وائل فتحي دبوب

أضف تعليق

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ