شخص لم أعرفه

رجب مفتاح بودبوس، شخص لم أسمع عنه شخصيًا إلا عن طريق جدي، وبالصدفة أيضًا، عندما كان يتحدث وينتقد الكُتاب المحسوبين على نظام القذافي. في مرة سألته عنه وقلت له: “هل هذا كاتب مصري أو تونسي؟” فأجابني بأنه كاتب ليبي من بنغازي يالها من بنغازي مدينة المثقفون هكذا وصفها لي جدي بأنها في ذلك الوقت، قبل ست سنوات، لم أتعرف عليه جيدًا سوى أنه كاتب وكتبه تتناول الفلسفة.

في المنفى – رجب مفتاح بودبوس

صنفت الرواية و أنا أقرأها على أنها رواية فلسفية وجودية، وعند قراءتي لها، تعبر هذه الرواية عن كل المنفيين في أوطانهم، وتجسد الغربة التي أشعروا بها.

– ” كنت كمن سيعيش يوماً واحداً وأمامه عدة أشياء يريد القيام بها . كان عليه ان يختار بسرعة ، وبأكثر صميمية ، وان لا يؤجل شيئاً، ذلك الذي سيعيش يوماً واحداً هو أنا .. ! يوماً واحداً .. ! ليس ثمة فرق بينه وبين مائة عام ، ولكنني لن ابكي ، لن العن القدر ، لن اقف مكتوف اليدين ان اليوم الواحد يعني اليأس ، ولكنه يأس من نوع آخر يدفعك لأن ترمي بآخر ورقة دون وجل أو تردد ، وهكذا رميت بآخر ورقة : سأعيش . حياتي ! وعندئذ اصبحت في غربة غربة ! ماذا يقول الآخرون من حولي ؟ انا لم اعد افهمهم ، لا أفهم ما يقولونه ولا ما يفعلونه ، احدق فيهم عن بعد : أنهم حجارة .. اشياء .. اشجار كل شيء إلا بشر .. انا لست منهم .. ولن أكون منهم انا موجود .. !”

تروي الرواية قصة شخص يتيم، اكتشفته عائلة و تبنته لكن النكبة تلاحقه بسبب والده الذي ينشر الشائعات حينما يغادر المنزل، مصرحًا أنه ولد غير شرعي و أبن شوارع.

– ” في صف المرض الطويل ، اطفال يريدون غذاء ينبغي شراؤه ، فواتير المياه ، فواتير النور ، وإلى جانب مشكلات آلة اللذة اعني الزوجة تلك الآلة العجيبة التي تقايض شيئاً بشيء ، حماية ، منزل ، تلاجة ، سيارة .. طعام .. ملبس.. نزهات ومقابل هذا للزوج نصف ساعة جنس ! انها رابحة ، اربع وعشرون ساعة مقابل نصف ساعة ، أربع وعشرون ساعة عمل لتوفير سروط العقد ، ونصف ساعة مقابل ذلك يسقط بعدها الزوج اعياء ليتمتم بينه وبين نفسه : المرأة أحط مخلوق .. ترى لم خلقت ؟ ولكنه لا يقول هذا الا في لحظة سقوطه مجهداً . فإذا كان الصباح ، حدق فيها برغبة جديدة ، وخرج يكرر يومه الذي لا ينتهي ، هؤلاء ، إذا استثنينا مشكلاتهم الأخرى الصغيرة كوشاية عند رب العمل أو فوز فريقهم في كرة القدم ، واستثنينا انهم ينظرون إلى النتيجة ليعطوا لأيامهم اسماء ، فانهم يعيشون يوماً واحداً ، في آخره يسقطون بلا حراك .. وللأبد .. ولا كأنهم مشوا خطوة واحدة في شوارع بنغازي انا لا استطيع ذلك ، انا مفلس تماماً ، لن اعقد صفقة خاسرة ، على الأقل لنكن شركاء ! ومع ذلك فهناك امر ادهش له ، بل واكاد افغر فاهي عجباً ، ثمة أمور يفعلها هؤلاء معاً ، ففي الوقت نفسه هناك عقود تعقد ، وشيخ يضع ( قزازات ) على عينيه ، يكب على ورقة وهو يكاد يلتهمها ، ثم يوقع في نهايتها ليصبح كل ما كان حراماً حلالاً .. وهناك بائع وشار جالسان بالقرب منه : هل بعت يا سيدي ؟ وينطق عجوز آخر ووجهه الاسمر ترتع به شعيرات بيض ويقول : على سنة الله ورسوله ويلتفت الشيخ إلى الآخر : – وهل قبلت : وتعود الإسطوانة : على سنة الله ورسوله هذا فعلى الفراش ستكون سنة الشيطان ، وتلك الورقة سوف توضع ومع في ادراج المحكمة الشرعية . والأمر كأنه ليس ثمة حاجة اليها على الإطلاق ويلتقي الاثنان ، وليس بينهما حلال ولا حرام !”

وينتقد كل من حوله وعن شبيهة سعاد حسني المحبوبة، التي قدم لها عرض الزواج ولكنها رفضته.

– “ووجدتني ابتسم ، سخرية أو حزناً ، لست ادري ! ، ربما ابتسمت وتلك المهزلة تتضح أمامي ؛ كالقطيع السائر رغم تناقض عدوه فإن التناسل كفيل بالتعويض ، كانت ابواق سيارات تحمل عروساً ، تعلن عن أول اتصال جنسي : اشهدوا ياناس انها تضاجع رجلاً لأول مرة . ولن ينسوا ان يحملوا بعد ذلك ( القمجة ) على مقدمة عربة ، سيارة ، والداهية ان لم تكن ملطخة بالدم ، حياة العروس مرهونة ببقع دم حمراء ، أما هو فلن يسأل عنه ، انه رجل .. !”

أخيرًا، يجد نفسه الآن في الغُربة، معتبرًا أن أي شخص حر يكون في المنفى.

-” قال النبي الكريم : ( يولد الطفل على الفطرة فيهوده أبواه أو ينصرانه » متى يتوقف الكبار عن التدخل ؟! يصبح الطفل شريراً حين يكتشف أن فضيلته تختلف عن فضيلة أجداده فيبدأ ينافق ويخادع ويصبح شريراً ، وكلما كان الفرد اجتماعياً كان عقله فارغاً ، هكذا قال شوبنهور … وأما الذي يصنع حياته فلا يحتاج لأن يكذب ولا أن يخادع ، انه قوي بما فيه الكفاية ، شجاع إلى درجة الحكم على نفسه ولكن الذي لا ينافق ولا يخادع ليس اجتماعياً ، والذي هو فاقد الشجاعة ومنزو خلف مومياء الاجداد هو الاجتماعي الكامل.. ان الذي اختار الحرية اختار المنفى !”.

– وائل فتحي

أضف تعليق

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ